Google

     

Thursday, December 27, 2007

توبة مدمن

في احدى المدن بالمملكة كانت هناك امرأة تسكن مع زوجها و اولادها و بناتها في احدى
الاحياء و كان المسجد ملاصق لبيتها تماما الا ان الله ابتلاها بزوج سكير .
لا يمر يوم او يومين الا و يضربها هى و بناتها و اولادها و يخرجهم الى الشارع ، كان
اغلب من في الحي يشفقون عليها و على ابنائها و بناتها اذا مروا بها و يدخلون الى
المسجد لاداء الصلاة ثم ينصرفون الى بيوتهم و لا يساعدونها بشئ و لو بكلمة عزاء ، و
كم كانوا يشاهدون تلك المرأة المسكينة و بناتها و اولادها الصغار بجوار باب بيتها
تنتظر زوجها المخمور ان يفتح لها الباب و يدخلها بعد ان طردها هى و اولادها و لكن
لا حياة لمن تنادى ، فاذا تأكدت من انه نام جعلت احد ابنائها يقفز الى الداخل و
يفتح لها ، و تدخل بيتها و تقفل باب الغرفة على زوجها المخمور الى ان يستيقظ من
سكره و تبدأ بالصلاة و البكاء بين يد الله عز وجل تدعو لزوجها بالهداية و المغفرة .
لم يستطع احد من جماعة المسجد بما فيهم امام المسجد و المؤذن أن يتحدث مع هذا الزوج
السكير و ينصحه ، و لو من اجل تلك المرأة المعذبة و ابنائها لمعرفتهم انه رجل سكير
لا يخاف الله ؛ باطش ؛ له مشاكل كثيرة مع جيرانه في الحى فظاً غليظ القلب لا ينكر
منكراً و لا يعرف معروف و كما نقول بالعامية ( خريج سجون ) فلا يكاد يخرج من السجن
حتى يعود اليه .
الزوجة المسكينة كانت تدعو لزوجها السكير في الثلث الاخير من الليل و تتضرع الى
الله باسمائه العلى و بأحب اعمالها لديه ان يهدي قلب زوجها الى الايمان ، و اكثر
ايامها كانت تدعو له بينما هى و ابناءها تعاني الامرين فلا احد يرحمها من هذا
العناء غير الله فلا اخوة و لا اب و لا ام يعطف عليها الكل قد تخلى عنها و الكل لا
يحس بها و بمعاناتها فقد اصبحت منبوذة من الجيران و الاهل بسبب تصرفات زوجها .
في احدى المرات و بينما هى تزور احدى صديقاتها في حى آخر مجاور لهم تكلمت و فتحت
صدرها لصديقتها و شرحت لها معاناتها و ما يفعله بها زوجها و ببناتها و ابناءها اذا
غاب تحت مفعول المسكر ، تعاطفت معها صديقتها و قالت لها : اطمئني ، سوف اكلم زوجي
لكي يزوره و ينصحه و كان زوجها شاباً صالحا حكيماً و يحب الخير للناس و يحفظ كتاب
الله و يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر فوافقت بشرط ان لا يقول له بانها هى التى
طلبت هذا حتى لا يغضب منها زوجها السكير و يضربها و يطردها من البيت الى الشارع مرة
اخرى لو علم بذلك ، فوافقت على ان يكون هذا الامر سر بينهما فقط .
ذهب زوج صديقتها الى زوجها بعد صلاة العشاء مباشرة لزيارة زوج تلك المرأة و طرق
الباب عليه فخرج له يترنح من السكر ففتح له الباب فوجده انسان جميل المنظر له لحية
سوداء طويلة و وجه يشع من النور و الجمال و لم يبلغ الخامسة و العشرين من عمره و
الزوج السكير كان في الاربعين من عمره على وجهه علامات الغضب و البعد عن الله عز
وجل فنظر اليه و قال له : من انت و ماذا تريد ؟
فقال له : انا فلان بن فلان و احبك في الله و جئتك زائرا و لم يكد يكمل حديثه حتى
بصق في وجهه و سبه و شتمه و قال له بلهجة عامية شديدة الوقاحة : لعنة الله عليك يا
كلب ، هذا وقت يجىء فيه للناس للزيارة ، انقلع عسى الله لا يحفظك انت و اخوتك اللى
تقول عليها .
كانت تفوح من الزوج السكير رائحة الخمرة حتى يخيل له ان الحى كله تفوح منه هذه
الرائحة الكريهة ، فمسح ما لصق بوجهه من بصاق و قال له : جزاك الله خيرا قد اكون
اخطأت و جئتك في وقت غير مناسب و لكن سوف اعود لزيارتك في وقت اخر ان شاء الله ،
فرد عليه الزوج السكير انا لا اريد رؤية وجهك مرة اخرى و ان عدت كسّرت رأسك و اغلق
الباب في وجه الشاب الصالح .
و عاد هذا الشاب الى بيته و هو يقول الحمد لله الذى جعلني اجد في سبيل الله و في
سبيل ديني هذا البصاق و هذا الشتم و هذه الاهانة ، و كان في داخله اصرار على ان
ينقذ هذه المرأة و بناتها من معاناتها احس بأن الدنيا كلها سوف تفتح ابوابها له اذا
انقذ تلك الاسرة من الضياع .
فأخذ يدعو الله لهذا السكير في مواطن الاستجابه و يطلب من الله ان يعينه على انقاذ
تلك الاسرة من معاناتها الى الابد ، كان الحزن يعتصر في قلبه و كان شغله الشاغل ان
يرى ذلك السكير من المهتدين .
فحاول زيارته عدة مرات و في اوقات مختلفه فلم يجد الا ما وجد سابقاً حتى انه قرر في
احدى المرات ان لا يبرح من امام بيته الا و يتكلم معه فطرق عليه الباب في يوما من
الايام فخرج اليه سكران يترنح كعادته و قال له : ألم اطردك من هنا عدة مرات لماذا
تصر على الحضور و قد طردتك ؟!!فقال له : هذا صحيح و لكنى احبك في الله و اريد
الجلوس معك لبضع دقائق و الله عز وجل يقول على لسان نبيه صلى الله عليه و سلم : من
عاد اخ له في الله ناداه مناد من السماء ان طبت و طاب ممشاك و تبؤت من الجنة منزلا
.
فخجل السكير من نفسه امام الحاح هذه الشاب المستمر رغم ما يلقاه منه و قال له و لكن
انا الآن اشرب المسكر و انت يبدو في وجهك الصلاح و التقوى و لا يمكننى ان اسمح لك
ان ترى ما في مجلسى من خمور احتراما لك فقال له : ادخلنى في مكانك الذى تشرب فيه
الخمر و دعنا نتحدث و انت و تشرب خمرك فأنا لم اتي اليك لكى امنعك من الشرب بل جئت
لزيارتك فقط فقال السكير : اذا كان الامر كذلك فتفضل بالدخول فدخل لاول مرة بيته
بعد ان وجد الامرين في عدم استقباله و طرده و ايقن ان الله يريد شيئاً بهذا الرجل .
ادخله الى غرفته التى يتناول فيها المسكر و تكلم معه عن عظمة الله و عن ما اعد الله
للمؤمنين في الجنة و ما اعد للكافرين في النار و في اليوم الاخر و في التوبه و ان
الله يحب العبد التائب اذا سأله الهدايه ثم تكلم في اجر الزيارة و ما الى ذلك و ان
الله يفرح بتوبة العبد التائب فإذا سأله العبد الصالح قال الله له لبيك عبدي ( مرة
واحدة ) و اذا سأله العبد المذنب العاصى لربه قال الله له لبيك لبيك لبيك عبدي (
ثلاث مرات ) و كان يرى اسارير الرجل السكير تتهلل بالبشر و هو ينصت اليه بجوارحه
كلها و لم يحدثه عن الخمرة و حرمتها ابدا و هو يعلم انها ام الكبائر و خرج من عنده
بعد ذلك دون كلمة واحدة في الخمر فأذن له بالخروج على ان يسمح له بين الحين و الحين
بزيارته فوافق و انصرف .
بعد ذلك بأيام عاد اليه فوجده في سكره ، و بمجرد ان طرق الباب عليه رحب به و ادخله
الى المكان الذى يسكر فيه كالعادة فتحدث ذلك الشاب عن الجنة و ما عند لله من اجر
للتائبين النادمين و لاحظ بأن السكير بدأ يتوقف عن الشرب بينما هو يتكلم فأحس انه
اصبح قريبا منه و انه بدأ يكسر اصنام الكؤوس في قلبه شيئاً فشيئاً ، و ان عدم
مواصلته للشرب دليل على انه بدأ يستوعب ما يقال له ، فأخرج من جيبه زجاجة من الطيب
الفاخر غالية الثمن فأهداها له و خرج مسرعاً و كان سعيداً بما تحقق له من هذه
الزيارة من تقدم ملحوظ .
فعاد بعد ايام قليلة لهذا الرجل فوجده في حالة اخرى تماماً و ان كان في حالة سكر
شديدة و لكن هذه المرة بعد ان تكلم الشاب عن الجنة و ما فيها من نعيم اخذ يبكي
السكير كالطفل الصغير و يقول لن يغفر الله لى ابداً ، لن يغفر الله لى ابداً و انا
اكره المشائخ و اهل الدين و الاستقامة و اكره الناس جميعاً و اكره نفسي و اننى
حيوان سكير لن يقبلني الله و لن يقبل توبتي حتى و ان تبت ، فلو كان الله يحبني ما
جعلني اتعاطى المسكرات و لا جعلني بهذه الحالة و هذا الفسق و الفجور الذى اعيش فيه
من سنوات مضت ، فقال له الشاب الصالح و هو يحتضنه : ان الله يقبل توبتك و ان
التائب من الذنب كمن لا ذنب له و ان باب التوبة مفتوح و لن يحول بينك و بين الله
احد و ان السعادة كلها في هذا الدين و ان القادم سوف يكون اجمل لو سألت الله
الهداية بقلب صادق مخلص و ما عليك الا ان تسأل الله مخلصاً في طلب الهدايه و الله
عز وجل يقبلك و أن قيمته عند الله عظيمة ، و اشار اليه بأنه على سفر الآن مع مجموعة
من اصدقائه المشائخ الى مكه المكرمه و عرض عليه ان يرافقهم فقال له السكير و هو
منكسر القلب : و لكن انا سكران و اصدقائك المشائخ لن يقب!
لوا بمرافقتي فقال له : لا عليك هم يحبونك مثلي و لا مانع لديهم ان ترافقهم بحالتك
الراهنة فكل ما في الامر هو ان نذهب الى مكة المكرمه للعمرة فأذا انتهينا عدنا الى
مدينتنا مرة اخرى و خلال رحلتنا سوف نسعد بوجودك بيننا فقال السكير : و هل تسمحون
لى ان آخذ زجاجتي معى فأنا لا استغني عنها لحظة واحدة فقال له الشاب الصالح: بكل
سرور خذها معك ان كان لابد من اخذها .
كانت نظرة هذا الشاب الصالح بعيدة جدا جدا رغم خطورة ان يحمل زجاجة الخمر في سيارته
و ان يحمل معه شخصاً سكيراً و سكران في نفس الوقت فالطريق الى مكة ممتلئ بدوريات
الشرطة و لكنه قرر المجازفة من اجل انقاذ هذه المرأة و ابناءها فمن يسعى لتحقق هدف
عظيم تهون عنده الصغائر .
فقال له : قم الآن و اغتسل و توضأ و البس احرامك فخرج الى سيارته و اعطاه ملابس
الاحرام الخاصة به على ان يشترى هو غيرها فيما بعد ، فأخذها و دخل الى داخل البيت و
هو يترنح و قال لزوجته انا سوف اذهب الى مكة للعمره مع المشائخ فتهللت اسارير زوجته
فرحا بهذا الخبر و اعدت حقيبته و دخل الى الحمام يغتسل و خرج ملتفاً بأحرامه و هو
مازال في حالة سكره و كان الرجل الشاب الصالح البطل المغامر يستعجله حتى لا يعود في
كلامه فلا يرافقهم و لم يصدق ان تأتي هذه الفرصة العظيمة لكى ينفرد به عدة ايام و
يبعده عن السكر و اصدقاء السوء فلو افاق فربما لن يذهب معهم او يدخل الشيطان له من
عدة ابواب فيمنعه من مرافقته فعندما خرج اليه أخذه و وضعه في سيارته و ذهب مسرعاً
به بعد ان اتصل على اصدقائه من الاخوة الملتزمين الذين تظهر عليهم سمات الدين و
الصلاح و التقوى لكى يمر عليهم في منازلهم و يصطحبهم في هذه الرحلة المباركه .
انطلقت السيارة باتجاه مكه المكرمه ، و كان الشاب الصالح على مقودها و بجواره
السكير و في المقعد الخلفي اثنان من اصدقائه الذى مر عليهم و اخذهم معه ، فقرأوا
طوال الطريق قصار السور و بعض الاحاديث النبويه من صحيح البخارى و كلها في التوبه و
في الترغيب و الترهيب بما عند الله من خير جزيل و في فضائل الاعمال ، كان السكير لا
يعرف قراءة الفاتحة و ( يلخبط ) بها و يكسر فيها كيفما شاء ، و عندما يأتي الدور
عليه يقرأونها قبله ثلاثة مرات حتى يصححوا له ما اخطأ فيها بدون ان يقولوا له انت
اخطأت و أنه لا يعقل أن يخطىء احد في الفاتحة ، و هكذا حتى انتهوا من قراءة قصار
السور عدة مرات ، و قرأوا الاحاديث المختلفه في فضائل الاعمال و هو يسمع و لا يبدي
حراك و قبل الوصول الى مكة قرر الثلاثة الاصدقاء ان لا يدخلوا مكة الا وقد افاق
تماماً صاحبهم من السكر فقرروا المبيت في احدى الاستراحات على الطريق بحجة انهم
تعبوا و يريدون النوم الى الصباح و من ثم يواصلون مسيرهم و كان يلح عليهم بانه
بأمكانه قيادة السيارة على ان يناموا هم اثناء قيادته السيارة فهو لن يأتيه النوم
ابداً فقالوا له جزاك الله خير و بارك الله فيك نحن !
نريد ان نستمتع برحلتنا هذه بصحبتك و ان نقضى اكبر وقت ممكن مع بعضنا البعض فوافق
على مضض و دخلوا احدى الاستراحات المنتشرة على الطريق و اعدوا فراش صاحبهم السكير و
جعلوه بينهم حتى يرى ما سوف يفعلونه فقاموا يتذاكرون آداب النوم و كيف ينامون على
السنه كما كان المصطفي عليه الصلاة و السلام ينام و كان ينظر اليهم و يقلدهم و ما
هى الا بضع دقائق حتى نام ذلك السكير في نوم عميق .
استيقظ الثلاثة قبل الفجر و اخذوا يصلون في جوف الليل الاخير و يدعون لصاحبهم الذي
يغط في نومه من مفعول الكحول و كانوا يسجدون و يبكون بين يدى الله ان يهديه و يرده
لدينه رداً جميلاً و بينما هم كذلك اذ استيقظ و رآهم يصلون قبل الفجر و يبكون و
يشهقون بين يدى الله سبحانه و تعالى فدخل في نفسه شيئاً من الخوف و بدأ يستفيق من
سكره قليلاً قليلاً ، و كان يراقب ما يفعلوه اولئك الشباب في الليل من تحت الغطاء
الذى كان يخفى به جسده الواهى و همومه الثقيلة و خجله الشديد منهم و من الله عز وجل
.
فأخذ يسأل نفسه كيف اذهب مع اناس صالحين يقومون الليل و يبكون من خشية الله و
ينامون و يأكلون على سنه المصطفى صلى الله عليه و سلم و انا بحالة سكر ، و تشابكت
الاسئلة في رأسه حتى بدا غير قادر على النوم مرة اخرى ، بعد فترة من الزمن اذن
المؤذن للفجر فعادوا الى فرشهم و كأنهم ناموا الليل مثل صاحبهم و ماهى الا برهة حتى
ايقضوه لصلاة الفجر و لم يعلموا بانه كان يراقب تصرفاتهم من تحت الغطاء فقام و توضأ
و دخل المسجد معهم و صلى الفجر و قد كان متزناً اكثر من ذي قبل حيث بدأت علامات
السكر تنجلي تماماً من رأسه فصلى الفجر معهم و عاد الى الاستراحة بصحبه اصدقائه
الذين احبهم لصفاتهم الجميلة و تمسكهم بالدين و اكرامهم له و التعامل معه بانسانية
راقية لم يرها من قبل .
بعدها احضروا طعام الافطار و كانوا يقومون بخدمته و كأنه امير و هم خدم لديه و
يكرمونه و يسلمون على رأسه و يلاطفونه بكلمات جميله بين الحين و الحين ، فشعر
بالسعادة بينهم و اخذ يقارن بينهم و بين جيرانه الذين يقول بأنه يكرههم ، انفرجت
اسارير الرجل بعد ان وضع الفطور فتذاكروا مع بعضهم البعض آداب تناول الطعام و
الطعام موجود بين ايديهم هو يسمع ما يقال فأكلوا طعامهم و جلسوا حتى ساعة الاشراق
فقاموا وصلوا صلاة الاشراق و عادوا الى النوم ثانية حتى الساعة العاشرة صباحا لكى
يتأكدوا من ان صاحبهم افاق تماما من سكره ، و رجع طبيعياً لوضعه الطبيعى فأنفرد
بصاحبه قليلا و قال له :
كيف اخذتني و انا سكران مع هؤلاء المشائخ الفضلاء سامحك الله سامحك الله ، ثم انى
وجدت زجاجتي في السيارة فمن احضرها فقال له الشاب الصالح : انا احضرتها بعد ان
رأيتك مصر على اخذها و انك لن تذهب معنا الا بها فقال له : و هل شاهدها اصحابك فقال
له : لا لم يشاهدوها فهى داخل كيس اسود لا يظهر منها شئيا فقال الحمد لله انهم لم
يشاهدوها .
تحركوا بعد ذلك الى مكه و صاحبهم معهم و نفس ما قاموا به في بداية رحلتهم قاموا به
بعد ان تحركوا فقرأوا قصار السور و بعض الاحاديث في الترغيب و الترهيب اثناء رحلتهم
و لكن لاحظوا هذه المرة انه بدأ يحاول قراءة قصار السور بشكل افضل من السابق و خلال
الطريق تنوعت قراءاتهم فوصلو الى مكة المكرمة و دخلوا الى البيت الحرام و كانو
يكرمون صاحبهم السكير كرماً مبالغا فيه في بعض الاحيان املاً في هدايته فطافوا و
سعوا و شربوا من زمزم فاستأذنهم ان يذهب الى الملتزم فاذنوا له و ذهب و امسك
بالملتزم و اخذ يبكي بصوت يخيل للشاب الصالح الذي كان يرافقه و يقف بجواره ان اركان
الكعبة تهتز من بكاء السكير و نحيبه و ان دموعه اغرقت الساحة المحيطة بالكعبة فكان
يسمع بكاءه فيبكي مثله و يسمع دعائه فيؤمن خلفه كان يئن و صاحبه يئن مثله ، كان
منظراً مروعاً ان ترى منظر بهذا الشكل ، كان يدعو الله ان يقبل توبته و يعاهد الله
ان لا يعود الى الخمرة مرة اخرى و ان يعينه على ذلك ، فلم يكن يعرف من الدعاء غير
يارب ارحمنى يارب اسرفت كثيرا فارحمنى انت رب السموات و الارض ان طردتني من باب
رحمتك فلمن التجأ ان لم تتب على فمن سواك يرحمن!
ى يارب ان ابواب مغفرتك مفتوحه و انا ادعوك يارب فلا تردني خائباً .
كان دعائه مؤثرا جداً لدرجه انه ابكى المجاورين له ، كان بكائه مريراً تشعر بأن
روحه تصعد الى السماء حين يدعو ربه ، كان يبكي و يستغيث حتى ظن صاحبه ان قلبه كاد
أن ينفطر ، استمر على هذا المنوال اكثر من ساعة و هو يبكى و ينتحب و يدعو الله و
صاحبه من خلفه يبكى معه ، منظر مؤثر فعلا حين يجهش بالبكاء رجلا تجاوز الاربعين و
متعلق باستار الكعبة ، و اكثر ما جعله يبكى هو انه كان يقول يارب ان زوجتى اضربها و
اطردها اذا غبت في سكري فتب على يارب مما فعلت بها ، يارب ان رحمتك وسعت كل شئ و
اسالك يارب ان تسعني رحمتك ، يارب اني اقف بين يديك فلا تردني صفر اليدين ، يارب ان
لم ترحمنى فمن سواك يرحمنى ، يارب انى تائب فاقبلني فقل لي يارب لبيك لبيك لبيك
عبدي ، يارب انى اسالك لا تشح بوجهك عنى ، يارب انظر الى فاننى ملأت الارض بالدموع
على ما كان منى ، يارب انى بين يديك ، و ضيف عليك في بيتك الحرام فلا تعاملني بما
يعاملني به البشر فالبشر ياربي ان سألتهم منعوني و ان رجوتهم احتقروني ، يارب اشرح
صدري و انر بصيرتي و اجعل اللهم نورك يغشاني و كره الي حب الخمور ما احييتني يا رب
لا تغضب منى و لا تغضب علىّ فكم اغضبتك بذ نوبي التى لا تحصى و كنت اعصيك و انت تنظر الي .
كان صديقه في هذه الاثناء يطلب منه الدعاء له فكان يزداد بكاءه و يقول يارب امن
مثلي يطلب الدعاء؟!! يارب انى عصيتك خمس و عشرين عاما فلا تتركني و لا تدعني اتخبط
في الذنوب ، يارب انى فاسق فاجر اقف ببابك فاجعلني من عبادك الصالحين ، يا رب اني
اسالك الهداية و ما قرب اليها من قول او عمل و أنا خاشع ذليل منكسر بين يديك ، يارب
ان ذنوبي ملات الارض و السموات فتب على يا ارحم الراحمين و اغفر جميع ذنوبي يارب
السموات و الارض ، فيشهق و يبكي و احياناً يغلبه البكاء فلا تسمع الا صوت حزين
متقطع من النحيب و البكاء .
اذن المؤذن لصلاة العصر فجلسوا للصلاة و السكير التائب مازال متعلقا باستار الكعبة
يبكي حتى اشفق عليه صديقه و اخذه الى صفوف المصلين كى يصلي و يستريح من البكاء ،
اخذه معه و هو يحتضنه كأنه أمه او كأنه اباه فصلي ركعتين قبل صلاة العصر كانت كلها
بكاء بصوت منخفض يقطع القلب و يدخل القشعريرة في اجساد من حوله ، ان دعاء زوجته في
الليل قد تقبله الله و أن دعاء الشاب الصالح قد نفع و اثمر ، و أن دعاء اصدقائه في
الليل له قد حقق المقصود من رحلتهم ، ان الدعاء صنع انسان آخر بين ليلة و ضحاها ،
فبدأ يرتعد صاحبهم خوفاً من الله حين احس بحلاوة الايمان ، ان الدعاء في ظهر الغيب
حقق النتيجه التى تدله على الهداية ، لقد اشفق عليه اصحابه في هذه الرحلة من بكاءه
، انقضت الصلاة و خرجوا يبحثون عن فندق مجاور للحرم و لازالت الدموع تملأ وجهه ،
كان احدهم يحفظ القرآن عن ظهر قلب هو الآخر ، و كان متواضعا لدرجة كبيرة جداً لا
تراه الا مبتسماً فعندما رأى اقبال صاحبهم التائب الى الله زاد في اكرامه و بالغ وأصران يحمل حذاء ذلك التائب و ان يضعه تحت قدميه عند باب الحرم ، هذا التصرف من
حافظ القرآن فجر في صدر التائب اشياء لا يعلمها الا الله بل يعجز الخيال عن وصفها حين توصف.
و فعلا حمل حذائهُ مع حذائه و خرج به الى خارج الحرم و وضعهما في قدميه و هو فرح
بما يقوم به ، استاجروا فندق مطل على الحرم ، و جلسوا به خمسة ايام و كان صاحبهم
يتردد على الحرم في كل الصلوات و يمسك بالملتزم و يبكى و يبكى كل من حوله ، و في
الليل كان يقوم الليل و يبكى ، و لا تكاد تراه نائماً ابداً... ففي النهار يبكى في
الحرم و في الليل قائما يصلي و يدعو الله بصوت يملؤه البكاء .
و بعد ان مضت رحلتهم عادوا الى مدينتهم و هم في طريق العودة طلب من صديقه ان يوقف
السيارة قليلاً فاوقفها بناء على طلبه فاخرج التائب زجاجة الخمر من ذلك الكيس
الاسود امام صديقه و مرافقيه و سكب ما فيها و قال لهم اشهدوا علىّ يوم الموقف
العظيم انى لن اعود اليها ثانية و اخذ يسكب ما فيها و هو يبكى على ذنوبه التى
ارتكبها و يعدد ما فعله باسبابها و كانت عيون مرافقيه تغرغر بالدموع و تحشر كلمات
تنطق من اعينهم لا يعرفون كيف يعبرون عنها فكانت الدموع ابلغ من لغة الكلام فبكوا .
و تحركوا بعد ذلك و هم يبكون مثله ، و بدأ الصمت يختلط بالنحيب و بدأ البكاء يختلط
بالبكاء ، و قبل ان يصلوا الى مدينتهم قالوا له : الان تدخل الى بيتك متهلل الوجه
عطوفاً رحيماً بأهلك و اعطوه نصائح عديدة في كيفية التعامل مع الابناء و الزوجة بعد
أن منّ الله عليه بالهداية و ان يلزم جماعة المسجد المجاور له و ان يتعلم امور دينه
من العلماء الربانين ، فالله عز وجل يقبل توبه التائب و يفرح بها و لكن الاستمرار
على الهداية و التوبة من موجبات الرحمة و الهداية فكان يقول و الله لن اعصى الله
ابدا فيقولون له ان شاء الله و الدموع تملأ اعينهم .
وصل الى بيته و دخل على زوجته و ابنائه و بناته و كان في حال غير الحال التى ذهب
بهاو لم تحاول الزوجه ان تخفى فرحتها بما شاهدته فاخذت تبكى و تضمه الى صدرها و اخذ
يبكى هو الاخر و يقبل رأسها و يقبل ابنائه و بناته واحداً تلو الاخر و هو يبكي ، و
ماهى الا فترة وجيزة حتى استقام على الصلاة في المسجد المجاور له و بدأت علامات
الصلاح تظهر عليه فأصبح ذو لحية ناصفها البياض و بدأ وجهه يرتسم عليه علامات
السعادة و السرور و بدأ كأنه مولود من جديد .
استمر على هذا الحال فترة طويلة ، فطلب من امام المسجد ان يساعد المؤذن في الاذن
للصلاة يومياً فوافق و اصبح بعد ذلك المؤذن الرسمي لهذا المسجد بعد ان انتقال
المؤذن الرئيسي الى الرفيق الاعلى ، و بدأ يحضر حلقات العلم و الدروس و المحاضرات
بالمسجد ثم قرر ان يحفظ القران فبدأ بالحفظ فحفظه كاملاً عن ظهر قلب و خلال هذه
الفترة كان صديقه الشاب الحليم يزوره بأستمرار و يعرفه على اهل الخير و الصلاح حتى
اصبح من الدعاة الى الله و اهتدى على يديه العديد من اصدقائه الذين كانوا يشربون
الخمر معه فيما مضى ، و اصبح امام للمسجد المجاور له و لا يزال بحفظ الله و رعايته
الى يومنا هذا من الدعاة و اماماً لمسجد الحى

No comments: